السينما والامراض النفسيه
السينما والأمراض النفسية !
عالم الأمراض النفسية عالم غريب ، غامض أشد ما يكون الغموض ، كله أسرار وألغاز ومخفيات ، تعاون على سبر أغواره وكشف أعماقه الفكر الأسطوري الخرافي ، والفكر السحري ، وحركات الوجد الصوفي ، والطب الوضعي ، وعلم النفس بكل مدارسه ، وما زالت المعلومات المتوفرة في شأنه ناقصة وتقريبية بعيدة كل البعد عن اليقين .
تقرأ الأمراض الجسدية من معطيات ظاهرة أهمها الإحساس بالألم الذي يعتبر رسالة إنذارية للشخص ، وتقرأ الأمراض النفسية من الإحساس بالألم الخفي المرتبط بعلاقة الشخص مع نفسه ومع مجتمعه ومع الزمان والمحيط والمكان .
ومن الملاحظ أن الأمراض النفسية ما زالت تشكل طابوها في بعض المحتمعات ، وما زال الحديث عنها يثير نوعا من التقزز والقرف والخجل ، مع العلم أن هذه الأمراض في تزايد مستمر ، وفي تطور تصاعدي ، ويعاني منها عدد كثير من الناس ، وتظهر النتيجة في نوع التصرفات اليومية للناس ، وردود فعلهم ، وتفاعلهم المرضي مع الأحداث اليومية ، وكثرة العنف والكآبة والقلق ، وإهمال الواجبات ، وتفكك العلاقات ، وظاهرة الانتحارات ، والاعتداءات حتى على الأقارب وأفراد الأسرة ...فأصبح من الضروري الاهتمام بالصحة النفسية للناس لسلامة المجتمع ونهضته وتطوره .
إن السينما ، باعتبارها وسيلة إعلامية مؤثرة بالصورة ، يمكن أن تقوم بدور معتبر في مجال نشر المعرفة النفسية الصحيحة ، والتحسيس بأهمية الصحة النفسية في بناء المجتمعات المتقدمة ، وتصحيح المعتقدات الفاسدة في التصور الشعبي للأمراض النفسية ، لكن للأسف ، ما حدث هو العكس ، حيث رسخت السينما التصور الفاسد عن الاضطرابات النفسية ، وجسدت في عدد من الأفلام الأمراض النفسية تجسيدا مرعبا صورت فيه المرضى النفسانيين وحوشا خطيرة يجب حبسها لحماية المجتمع منها ، وصورت مستشفيات الأمراض العقلية معتقلات سجنية مرعبة ، والعاملين فيها مجرمين بشعين .
ويعتبر فيلم " psycho " للمخرج ألفريد هتشكوك أفضل مثال لهذه النوعية من الأفلام ، يضاف له فيلم " Spitt " الذي جسد المرض النفسي تجسيدا مخيفا . والفيلموغرافيا العالمية مملوءة بأفلام تعالج الظواهر المرضية النفسية بشكل بشع ، يخرح الجمهور منها بتصور مخيف عن الأمراض النفسية .
إن الأمراض النفسية بكل انواعها تحتاج إلى تشخيص وتفهم وعلاج ، وليس إلى تكتم ومعاقبة وتهميش وتهويل وترعيب ، مع الإشارة إلى أن الفرق بين السوي والمريض في المجال النفسي يتحدد في الدرجة وليس في النوع ، فلا يوجد شخص سوي نفسيا على الإطلاق ، لا بد ان يكون فيه اضطراب معين يجعله مرشحا من غير تشخيص ومتابعة ووقاية لأن يصل إلى مرحلة المرض النفسي .
على السينما أن تنفتح على معطيات الطب النفسي الحديث إذا أرادت تناول موضوع مرتبط بالأمراض النفسية حتى لا تشيع تصورات فاسدة تضر المجتمع اكثر مما تنفعه ، فالأمر خطير ، والانتباه إليه ضروري ...

تعليقات
إرسال تعليق